كل فردة من بلد والكاتب على يسن من الانتباهة
صفحة 1 من اصل 1
كل فردة من بلد والكاتب على يسن من الانتباهة
.كـل فـردة مـن بـلـد !!
الكاتب Administrator
الأربعاء, 03 فبراير 2010 07:41
** حين لقيت يوسف ، بعد فراق يقارب الثلاثين عاماً ، فسألني عن أخبار «رِفعت وطنية» ، حينها فقط ، تذكرت...
** و ما تذكرته حينها ، كان هو ما ظلّ يقلقني لما يقارب الخمسة أعوام ،منذ أن كوّنوا – في أعقاب «نيفاشا» – ما سمُّوهُ ب»حكومة الوحدة الوطنية» ، إذ إنني ما إن سمعت بهذا المصطلح ، حتى أحسست بأنه ليس غريباً علىّ إطلاقاً ، و أنني سمعته ، بل و ألِفتُه ، زماناً ، وفي ظروف شبيهة بهذه، وقد حاولت حينها أن أُنقِّب في قاع ذاكرتي عن هذا الهاجس الغامض ، ولكن لم تسعفني الذاكرة يومها ، فبقيت لما يقرب من عامين حائراً في سر «عاطفيّة» هذا المصطلح ..
** ثم.. أخيراً ، ألقت المصادفة وحدها ، يوسف حسين في طريقي ..
** بعد العناق والتحايا ، مباشرة ، سألني يوسف :
- أيه أخبار صاحبك «رفعت وطنية»؟؟
** هذا السؤال العفوي ، كان كافياً لإيقاظ ذكريات عزيزة ، وكان كافياً – أيضاً – لإزاحة الغبار عن سر إنفعالي بحكومة «الوحدة الوطنية»..!!!
** في مدرسة الخرطوم القديمة ، الثانوية ، كنّا ، يوسف و رفعت و أنا ، نسكن حيّاً واحداً ، و ندرس في صف واحد ..
** و كان السمر بين زملائنا الطلاب ، في الفترات ما بين «الحصص» غالباً ما يدور حول طرائف «مجانين الأحياء» [في زماننا ذاك ، كان لكل حي من أحياء البلد ، مجنون ، يسمونه «مجنون الحلة»]..كان أبناء كل حي يتبادلون أخبار «مجنون حلّتهم» بغير قليل من الطرب ، وربما الفخر أحياناً ، خصوصاً حين تكون أفعال مجنونهم أدخل في باب الطرافة والظرف.. الوحيدون الذين كانوا يستمعون فقط ، دون أي إسهام إيجابي ، هم نحن – أنا و يوسف و رفعت – فقد كنّا – للأسف – نسكن حيّاً ليس فيه مجنون !! وكانت هذه الحقيقة تخجلنا ، و تملؤنا حسداً لسكان الأحياء الأُخرى .. و كان «رفعت» أكثرنا حزناً من افتقار حيِّنا إلى مجنون يرفع ذِكرَهُ بين الأحياء ...
** .. عند عودتنا من إجازة نهاية العام ، منتقلين إلى الصف الثاني ، عُدنا أنا و يوسف فقط ، إذ شهدت الإجازة حادثة «جنون» زميلنا رفعت....
** عدنا و نحن متنازعين بين الحزن والفخر!! الحزن لكارثة الجنون التي ألمُت بزميلنا ورفيق دربنا وابن «حلّتنا» ، والفخر بأن أصبح لحيِّنا «مجنون» نستطيع أن نباهي به الأحياء الأُخرى!!..
** جنون «رفعت» اتخذ أول تجلياته في طريقة تعامله مع «الأحذية».. رفعت كان معروفاً بيننا بالأناقة في ملبسه، و خصوصاً في ما يتعلق ب»الجزم» ، كان رفيع الذوق في اختيار الأحذية ، ولعله كان أول من أطلق عبارة»الرجل .. جزمة»!!.. وقد اكتشفت عائلة رفعت أول علامات جنونه في طريقته الجديدة في لبس الحذاء، و ذلك حين رأوه – ذات حفل – يتأنق أناقة كاملة ، كما اعتاد ، ثم يختار من بين أحذيته العديدة الأنيقة ، «فردة جزمة « سوداء لقدمه اليمنى ، مع «فردة شبط» بيضاء ، لقدمه اليسرى ، ثم يخرج متبختراً بهما إلى الطريق.. و قد ظنوا – لأول وهلة – أن المسألة مجرّد سهو منه أو «مشغوليات» ، فنبّهوه إلى ذلك ، ولكنه قال لهم يومها قولته التي طارت مثلاً :
- عارف ، دي موضة جديدة ، أنا أول من اخترعها .. موضة إسمها «وحدة وطنية»!!
فأُسقط في أيديهم ، واستعوضوا الله في عقله !!
** و منذ يومها ، أصبح لحلّتنا مجنون كما لبقية الحلاّل .. و أصبحنا نباهي زملاءنا بطرائفه و حكاياته .. وحالما يفرغ أحدنا من رواية طريفة من طرائف «مجنون حِلّتنا» كان يوسف ربّما أخذني جانباً ، ليقول لي باهتمام هامس:
- رفعت ده ما اظنو مجنون بالجد .. رفعت «فدائي» ، لِقى حلّتنا ما عندها مجنون ، قام بقى ليها مجنون.. غيرة منه ساكت !!!
** ولا بد أن هواجس يوسف كانت صحيحة ، فقد عاد رفعت ، في العام التالي، معنا إلى المدرسة ، ولم يبق من علامات جنونه شيء إلا موضة «وحدة وطنيّة « .. فقد كان لا يقبل نقاشاً في منهجه في لبس الحذاء ، ناصحاً من يجادله بأن يحتفظ بنظرياته لنفسه [ رفعت الآن – و هذا ليس اسمه الحقيقي – أحد أخطر الممثلين الكوميديين ، وهو أيضاً كاتب خطير، ] وقد علمت ، منه شخصياً ، أنه أقلع عن موضة «وحدة وطنية» في لبس الحذاء «كل فردة من بلد»، بعد أن أصبح منهجه ذاك – قال – منهجاً قومياً ، في أعقاب «نيفاشا» و تكوين حكومه الوحدة الوطنية «كل فردة من بلد « على حد قوله !!!
** الآن فقط ، أدركت وجه الشبه الذي جعلني أتذكر « رفعت وطنية « حالما تكونت «حكومة الوحدة الوطنية «.. مع الفارق طبعاً ، إذ إن «حكومة» رفعت وطنية ، كانت أكثر إنسجاماً ، من «حكومة « نصفها يكره إسرائيل ، و نصفها الآخر يحب إسرائيل
الكاتب Administrator
الأربعاء, 03 فبراير 2010 07:41
** حين لقيت يوسف ، بعد فراق يقارب الثلاثين عاماً ، فسألني عن أخبار «رِفعت وطنية» ، حينها فقط ، تذكرت...
** و ما تذكرته حينها ، كان هو ما ظلّ يقلقني لما يقارب الخمسة أعوام ،منذ أن كوّنوا – في أعقاب «نيفاشا» – ما سمُّوهُ ب»حكومة الوحدة الوطنية» ، إذ إنني ما إن سمعت بهذا المصطلح ، حتى أحسست بأنه ليس غريباً علىّ إطلاقاً ، و أنني سمعته ، بل و ألِفتُه ، زماناً ، وفي ظروف شبيهة بهذه، وقد حاولت حينها أن أُنقِّب في قاع ذاكرتي عن هذا الهاجس الغامض ، ولكن لم تسعفني الذاكرة يومها ، فبقيت لما يقرب من عامين حائراً في سر «عاطفيّة» هذا المصطلح ..
** ثم.. أخيراً ، ألقت المصادفة وحدها ، يوسف حسين في طريقي ..
** بعد العناق والتحايا ، مباشرة ، سألني يوسف :
- أيه أخبار صاحبك «رفعت وطنية»؟؟
** هذا السؤال العفوي ، كان كافياً لإيقاظ ذكريات عزيزة ، وكان كافياً – أيضاً – لإزاحة الغبار عن سر إنفعالي بحكومة «الوحدة الوطنية»..!!!
** في مدرسة الخرطوم القديمة ، الثانوية ، كنّا ، يوسف و رفعت و أنا ، نسكن حيّاً واحداً ، و ندرس في صف واحد ..
** و كان السمر بين زملائنا الطلاب ، في الفترات ما بين «الحصص» غالباً ما يدور حول طرائف «مجانين الأحياء» [في زماننا ذاك ، كان لكل حي من أحياء البلد ، مجنون ، يسمونه «مجنون الحلة»]..كان أبناء كل حي يتبادلون أخبار «مجنون حلّتهم» بغير قليل من الطرب ، وربما الفخر أحياناً ، خصوصاً حين تكون أفعال مجنونهم أدخل في باب الطرافة والظرف.. الوحيدون الذين كانوا يستمعون فقط ، دون أي إسهام إيجابي ، هم نحن – أنا و يوسف و رفعت – فقد كنّا – للأسف – نسكن حيّاً ليس فيه مجنون !! وكانت هذه الحقيقة تخجلنا ، و تملؤنا حسداً لسكان الأحياء الأُخرى .. و كان «رفعت» أكثرنا حزناً من افتقار حيِّنا إلى مجنون يرفع ذِكرَهُ بين الأحياء ...
** .. عند عودتنا من إجازة نهاية العام ، منتقلين إلى الصف الثاني ، عُدنا أنا و يوسف فقط ، إذ شهدت الإجازة حادثة «جنون» زميلنا رفعت....
** عدنا و نحن متنازعين بين الحزن والفخر!! الحزن لكارثة الجنون التي ألمُت بزميلنا ورفيق دربنا وابن «حلّتنا» ، والفخر بأن أصبح لحيِّنا «مجنون» نستطيع أن نباهي به الأحياء الأُخرى!!..
** جنون «رفعت» اتخذ أول تجلياته في طريقة تعامله مع «الأحذية».. رفعت كان معروفاً بيننا بالأناقة في ملبسه، و خصوصاً في ما يتعلق ب»الجزم» ، كان رفيع الذوق في اختيار الأحذية ، ولعله كان أول من أطلق عبارة»الرجل .. جزمة»!!.. وقد اكتشفت عائلة رفعت أول علامات جنونه في طريقته الجديدة في لبس الحذاء، و ذلك حين رأوه – ذات حفل – يتأنق أناقة كاملة ، كما اعتاد ، ثم يختار من بين أحذيته العديدة الأنيقة ، «فردة جزمة « سوداء لقدمه اليمنى ، مع «فردة شبط» بيضاء ، لقدمه اليسرى ، ثم يخرج متبختراً بهما إلى الطريق.. و قد ظنوا – لأول وهلة – أن المسألة مجرّد سهو منه أو «مشغوليات» ، فنبّهوه إلى ذلك ، ولكنه قال لهم يومها قولته التي طارت مثلاً :
- عارف ، دي موضة جديدة ، أنا أول من اخترعها .. موضة إسمها «وحدة وطنية»!!
فأُسقط في أيديهم ، واستعوضوا الله في عقله !!
** و منذ يومها ، أصبح لحلّتنا مجنون كما لبقية الحلاّل .. و أصبحنا نباهي زملاءنا بطرائفه و حكاياته .. وحالما يفرغ أحدنا من رواية طريفة من طرائف «مجنون حِلّتنا» كان يوسف ربّما أخذني جانباً ، ليقول لي باهتمام هامس:
- رفعت ده ما اظنو مجنون بالجد .. رفعت «فدائي» ، لِقى حلّتنا ما عندها مجنون ، قام بقى ليها مجنون.. غيرة منه ساكت !!!
** ولا بد أن هواجس يوسف كانت صحيحة ، فقد عاد رفعت ، في العام التالي، معنا إلى المدرسة ، ولم يبق من علامات جنونه شيء إلا موضة «وحدة وطنيّة « .. فقد كان لا يقبل نقاشاً في منهجه في لبس الحذاء ، ناصحاً من يجادله بأن يحتفظ بنظرياته لنفسه [ رفعت الآن – و هذا ليس اسمه الحقيقي – أحد أخطر الممثلين الكوميديين ، وهو أيضاً كاتب خطير، ] وقد علمت ، منه شخصياً ، أنه أقلع عن موضة «وحدة وطنية» في لبس الحذاء «كل فردة من بلد»، بعد أن أصبح منهجه ذاك – قال – منهجاً قومياً ، في أعقاب «نيفاشا» و تكوين حكومه الوحدة الوطنية «كل فردة من بلد « على حد قوله !!!
** الآن فقط ، أدركت وجه الشبه الذي جعلني أتذكر « رفعت وطنية « حالما تكونت «حكومة الوحدة الوطنية «.. مع الفارق طبعاً ، إذ إن «حكومة» رفعت وطنية ، كانت أكثر إنسجاماً ، من «حكومة « نصفها يكره إسرائيل ، و نصفها الآخر يحب إسرائيل
bushra mubark- Admin
- المساهمات : 1265
تاريخ التسجيل : 20/11/2008
الموقع : المانيا بون
مواضيع مماثلة
» الصورة .. والكاتب إسحاق أحمد فضل الله من الانتباهة
» الشريكان والانفصال الجاذب والكاتب إسماعيل آدم الرآى العام
» بلاغ عن حالة تطبيع مع ليشا والكاتب د. كمال حنفى من الرآى العام
» الشىء بالشىء يذكر ... إتفاق الميرغنى قرنق .. والكاتب الصحفى موسى يعقوب
» الشريكان والانفصال الجاذب والكاتب إسماعيل آدم الرآى العام
» بلاغ عن حالة تطبيع مع ليشا والكاتب د. كمال حنفى من الرآى العام
» الشىء بالشىء يذكر ... إتفاق الميرغنى قرنق .. والكاتب الصحفى موسى يعقوب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى